فصل: المانع الثاني عشر: كونها أم السيد

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الذخيرة في فروع المالكية ***


الفصل الثاني‏:‏ في أنكحتهم

وهي عندنا فاسدة، وإنما الإسلام يصححها خلافا لابن حنبل، وفي الكتاب‏:‏ لا يطأ الذمي مسلمة بنكاح ولا ملك، وليقدم في ذلك إلى الذمة، ويعاقبون بعد التقدم، ولا يحدون، ويعفى عن الجاهل، وتباع الأمة عليه نفيا لاستيلاء الكفر على الإسلام، ويفسخ النكاح، وإن أسلم الزوج لفساد العقد، قال ابن يونس‏:‏ وتحد المسلمة إن لم تعذر بجهل كما قال في كتاب محمد إذا تزوج مجوسية عالما بالتحريم حد، قال اللخمي‏:‏ وطلاقهم غير لازم؛ لأن فيه حقا لله تعالى، وهو ساقط مع الكفر، وحق للمرأة، وهو في معنى هبتها نفسها، ونحن لا نجبرهم على الوفاء بالهبات، وكذلك القول في العتق، فإن جارت المرأة نفسها، والعبد نفسه لم يمكنا من الرجوع، وإن امتنعا ما لم يضرب على العبد الجزية فلا يمكن من الرضا بالرق، وفي الجواهر‏:‏ إذا طلقها ثلاثا ثم أبانها عنه مدة لم يحتج بعد الإسلام لمحلل، قال صاحب النكت‏:‏ قال بعض شيوخنا إذا رضيا بحكم الإسلام فحكمنا الثلاث ليس له ردها للزوجية قهرا لأجل حكمنا، وله ذلك برضاها؛ لأن طلاق الكفر غير لازم، قال الشيخ أبو الحسن‏:‏ وإذا أسلما له ردها قبل زوج، وفي الكتاب‏:‏ طلاقهم غير لازم، وإن رفع إلينا لا يحكم به إلا برضا الزوجين بحكمنا، قال أبو الطاهر‏:‏ إذا رضيا بحكمنا ففي اعتبار رضا أساقفتهم قولان نظرا لدخول ذلك في عهدهم أم لا، وإذا حكمنا في الطلاق فلمتأخرين أربعة أقوال‏:‏ يحكم بالثلاث إن أوقعها، أو بتطليقة، أو بالفرقة في الجملة، أو تعتبر أنكحتهم إن كانت على الوضع الشرعي حكمنا بالطلاق، وإلا فبالفراق مجملا، وفي الكتاب‏:‏ الأفضل‏:‏ عدم الحكم بينهم لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم‏)‏ ‏(‏المائدة‏:‏ 42‏)‏، ولو تزوج ذمي امرأة غيره منع؛ لأنه من باب التظالم‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ في إسلامهم

وفيه أربعة أبحاث‏:‏

البحث الأول‏:‏ فيما يثبت من عقودهم بعد الإسلام، قال ابن يونس‏:‏ وهي عندنا فاسدة، وإنما الإسلام يصححها، وفي الجواهر‏:‏ لا نقرهم على ما هو فاسد عندهم إلا أن يكون صحيحا عندنا، ولو اعتقدوا غضب امرأة أو رضاها بالإقامة مع الرجل من غير عقد أقررناهم عليه، وقاله ‏(‏ش‏)‏، والضابط أن كل مفسد يدوم كجمع الأختين، أو لا يدوم لكن أدركه الإسلام كالزواج في العدة فيسلم فيها فهو مبطل، وما لا فلا، وقال ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل‏:‏ عقودهم صحيحة‏.‏

تنبيه‏:‏ واعلم أن قولنا أنكحة الكفار فاسدة مشكل، فإن ولاية الكافر للكافر صحيحة، والشهادة عندنا ليست شرطا في العقد حتى نقول لا تصح شهادتهم لكفرهم، ولو قلنا إنها شرط وأشهد أهل الذمة المسلمين فينبغي التفصيل أما القضاء بالبطلان على الإطلاق فلا، وغاية ما في الباب أن صداقهم قد يقع بما لا يحل، وكذلك المسلمون، وتختل بعض الشروط أو كلها أحيانا، وكذلك المسلمون فكما لا يقضى بفساد أنكحة عوام المسلمين وجهالهم من أهل البادية، وغيرهم بل نفصل ونقول ما صادف الشروط فهو صحيح سواء أسلموا أم لا، وما لم يصادف فباطل، أسلموا أم لا، وعلى هذا كان ينبغي ألا يخير بين الأم وابنتها إذا أسلم عليهما، بل نقول‏:‏ إن تقدم عقد البنت صحيحا تعينت، وكذلك لا نخيره إذا أسلم على عشر نسوة بل نقول‏:‏ إن وقع أربع منها أولا على الصحة تعين، وكذلك يليق إذا حكمنا بفسادها جملة أن لا نفرق بين الموانع الماضية وما بقي مقارنا للإسلام إذ الكل فاسد، وقد أقر - عليه السلام - من أسلم على نكاحه ففي أبي داود ‏(‏أنه - عليه السلام - رد ابنته زينب على أبي العاصي بالنكاح الأول ولم يحدث شيئا‏)‏، وفي الكتاب‏:‏ لا يثبت من شروطهم بعد الإسلام إلا ما يثبت للمسلم، وترد إلى ما يجب في الإسلام، ولا يفسخ النكاح بما لا يجيزونه، وإن كان يفسخ للمسلم قبل البناء؛ لأن الإسلام يقرر عقودهم، وإذا تزوجها بخمر أو خنزير أو بغير مهر لاستحلالهم ذلك ثم أسلما بعد البناء ثبت النكاح، فإن كانت قبضت ذلك الخمر قبل البناء فلا شيء لها غيره؛ لأنه من أموالهم حينئذ، وإلا فلها صداق المثل، ‏(‏وإن لم يبين لها حتى أسلما قبل القبض أو قبضت خير بين صداق المثل‏)‏ أو الفراق؛ لأنا لا نبيح وطئها بغير صداق، والفراق بطلقة واحدة كنكاح التفويض في الإسلام، وقال غيره‏:‏ إذا قبضت لا شيء لها؛ لأنه من أموالها حينئذ كما لو باعت خمرا حينئذ، قال ابن يونس‏:‏ إذا قبضت نصفه كان لها نصف صداق المثل، وعلى هذا الحساب إذا بنى، وإلا فلها الامتناع حتى تأخذ صداق المثل، وهذا كله إذا أسلما أما إذا أسلمت دونه فسخ النكاح، ولا شيء له عليها فيما قبضت من خمر أو خنزير تغليبا لملكها، وقيل‏:‏ عليها قيمة المقبوض، وإن كان قائما، وتراق الخمر، ويقتل الخنزير؛ لأنها منعته منه بإسلامها، قال ابن القاسم‏:‏ ولو أصدقها ثمن خمر فلها قبضه بعد إسلامها، ولو أصدقها دينا له ربا فأسلما قبل القبض فلا شيء له إلا رأس المال؛ لأنه الذي يستحقه، ولو كان درهمين، وأصلها برباها ثلاثة دراهم نظرا لأصلها، قال اللخمي‏:‏ إذا أسلما قبل البناء، والصداق خمر فأربعة أقوال‏:‏ ما تقدم، وقال أشهب‏:‏ يعطيها ربع دينار، وإلا فسخ، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ قيمة الخمر، وإن أسلمت قبل البناء بعد قبض الخمر، قال ابن القاسم‏:‏ ترد قيمة الخمر فاتت أم لا، وتكسر عليها، وقال أيضا‏:‏ لا شيء عليها؛ لأنها مستهلكة شرعا، قال‏:‏ وأرى رده خمرا؛ لأن بانفساخ النكاح يصير ملكا للزوج‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا أسلم مجوسي أو ذمي، وتحته مجوسية عرض عليها الإسلام، فإن أبت وقعت الفرقة، وإلا بقيت زوجة ما لم يبعد بين إسلامهما من غير تحديد، والشهر ونحوه قليل، فإن أسلمت المرأة بعد البناء فلا يعرض عليها الإسلام، ولكنه إن أسلم في عدتها كانت له، وإلا فلا، قال صاحب الاستذكار، قال مالك في الموطأ‏:‏ تقع الفرقة إذا امتنعت الوثنية أو المجوسية في الحال، وقال ‏(‏ش‏)‏‏:‏ ينتظر إسلامها في العدة؛ لأن أبا سفيان أسلم وأسلمت امرأته بعده بأيام، ورد - عليه السلام - ابنته زينب على أبي العاصي بالنكاح الأول ولم يحدث شيئا بعد ست سنين، وقيل‏:‏ بعد سنتين، وعلل ذلك باحتمال تأخر الحيض بقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وبعولتهن أحق بردهن في ذلك‏)‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 228‏)‏، أي‏:‏ في العدة إجماعا، وجوابه‏:‏ أن قصة زينب قبل نزول الفرائض مع أنه ردها بنكاح جديد، وهو مقدم على الأول؛ لكونه زيادة على النفي، ويحمل قوله‏:‏ ‏(‏ولم يحدث شيئا‏)‏ على مثل الصداق الأول، والأخبار الكثيرة الواردة في إسلام الوثنيين معارضة لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تمسكوا بعصم الكوافر‏)‏ ‏(‏الممتحنة‏:‏ 15‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏ إن لم يسلم زوجها بعدها فرق بينهما في الحال إن كانا في دار الإسلام، وإن كانا في دار الحرب بقيت الزوجة حتى تقضي العدة، وحمل القصص المذكورة على ذلك، وإن أسلمت المجوسية قبل انقضاء العدة فهما زوجان، وإلا فلا، وقال ابن حنبل تقع الفرقة في الحال مطلقا، والصواب أن المعتبر اختلاف الدين لا اختلاف الدار، وقبول الإسلام على القرب كما قال في المدونة، وفيه جمع بين الكتاب والسنة الواردة، قال صاحب النكت‏:‏ قال بعض شيوخنا‏:‏ إذا أسلم مجوسي قبل البناء لا تبقى زوجته إلا أن يسلم بالقرب جدا، ويعرض الإسلام على أبوي الصغيرة كعرضه على الكبيرة؛ لأنها تسلم تبعا لها، فإن لم يكن لها أبوان بقي الأمر موقوفا حتى تعقل، وإن كانا لا يتوارثان لعدم تعين سبب الفسخ، قال ابن يونس‏:‏ في كتاب محمد‏:‏ إذا أسلم لا يفرق بينهما حتى تنقضي العدة، وروى ابن القاسم اليومين والثلاثة، فإن أبت استبرأت نفسها بحيضة، وقال أشهب‏:‏ إسلامه قبل البناء يقطع العصمة، وبه أخذ محمد‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا أسلمت قبل البناء تحت مجوسي أو كتابي بانت منه، ولا رجعة إن أسلم لعدم العدة، وإسلام الزوج كالرجعة، ولا يملك عصمتها بعد العدة في المدخول بها، والفراق في هذا بغير طلاق لكونه متفقا عليه، وقاله ابن حنبل، و‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏ يعرض الإسلام على الآخر في دار الإسلام، فإن امتنع وقعت الفرقة، وأصله قوله تعالى في اللائي أسلمن دون أزواجهن ‏(‏فلا ترجعوهن إلى الكفار لا هن حل لهم ولا هم يحلون لهن‏)‏ ‏(‏الممتحنة‏:‏ 15‏)‏، وأسلم صفوان في العدة بعد شهر، قال ابن يونس‏:‏ وإذا أراد الإسلام فافتدت له على أن لا يسلم حتى تنقضي عدتها أو على إسقاط الرجعة لا يصح، ويرد ما أخذه، والفرق بينه وبين الردة في لزوم الطلاق أن الردة صادرة من مسلم، والمسلم يلزمه الطلاق، وقال اللخمي‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إن لم يسلم فهي طلقة بائنة، وقول مالك أحسن؛ لأن الكافر لا يلزمه الطلاق‏.‏

واختلف في العدة فقال مالك‏:‏ وابن القاسم إذا أسلمت دونه فثلاث حيض، وقال مالك‏:‏ تكفي النصرانية يطلقها النصراني حيضة، ولابن القاسم في المجوسية تأبى الإسلام تكفيها حيضة؛ لأن الزائد تعبد، وفي البخاري‏:‏ كانت المرأة إذا هاجرت حتى تحيض وتطهر، فإذا طهرت حل لها النكاح، قال ابن القاسم‏:‏ وإذا قالت‏:‏ حضت بعد إسلامي ثلاث حيض، وقال الزوج‏:‏ إنما أسلمت من عشرين ليلة صدق؛ لأن الأصل بقاؤها على الكفر، ولو وافق على أمد العدة، وقال‏:‏ أسلمت قبلك، أوفي العدة، وأكذبته، لم تصدق؛ لأن الأصل بقاؤه على حاله، قال صاحب البيان‏:‏ المعروف من المذهب إذا أسلمت لا يثبت نكاحه إلا أن يسلما معا؛ لأن الكافر لا يكون زوج مسلمة، والمعروف أن الفرقة فسخ؛ لأن الكافر لا يلزمه طلاق، وإذا لم يعلم بإسلامها في العدة حتى تزوجت‏:‏ فروي عن مالك استقلالها بالعقد، فإن أسلم قبلها فهو أحق بها، ‏(‏وفي المدونة هو أحق بها ما لم تدخل، وروي عنه‏:‏ استقلالها‏)‏ أبدا؛ لأنها نصرانية تحت مسلم فلا عدة سواء دخل الأول‏:‏ أم لا، وقال ابن وهب الدخول يفيتها‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب النكت‏:‏ إذا قدما بأمان فأسلم لم يكن لامرأته الرجوع لبلد الحرب محتجة بالأمان؛ لأنها ألزمت نفسها استيلاء زوجها عليها، وفي الكتاب‏:‏ إسلام الحربي الكتابي لا يزيل عصمته، ويكره وطؤه بدار الحرب، كما يكره الزواج بها خشية على الولد من اتباع الأم، والمؤمنان كالذميين في إسلامهما، وإذا أسلم الذمي صبيا وتحته مجوسية لم يفسخ نكاحه حتى يثبت على إسلامه بعد البلوغ، فتقع الفرقة إلا أن تسلم هي؛ لأنه لو ارتد حينئذ لم يقتل، وإذا وجبت الفرقة بين المجوسيين قبل البناء فلا صداق ولا متعة؛ لأن الفرقة من قبلها، وإذا تزوج صغير بغير إذن أبيه ثم أسلم بعد البلوغ ثبت عقده؛ لأنه شيء مضى، وكذلك لو تزوج المبتوتة قبل زوج، وإذا أسلم العبد وتحته أمة نصرانية فسخ كالمجوسية إلا أن تسلم في العدة؛ لأن المسلم لا يتزوج الكتابية، قال اللخمي‏:‏ قال أشهب‏:‏ لا يفرق بينهما لعدم الخطاب حالة العقد لطريان الطول على الأمة المؤمنة، قال اللخمي‏:‏ وإسلام أحد الزوجين في سن عدم التمييز لا يؤثر فراقا، وفي الإثغار فما فوقه قيل‏:‏ يلحق بالبالغ، وقيل‏:‏ لا، قال ابن يونس‏:‏ إذا عقد على أربع في العدة ثم أسلم عليهن بعد العدة ثبتن، قاله ابن القاسم، وأشهب بنى بهن أم لا، وقبل العدة فارقهن لقيام المانع، وعليهن ثلاث حيض إن مسهن أو بعد عدة بعضهن، فارق ما فيه العدة، كن في عقد واحد أم لا، بنى بهن أم لا، ولا يثبت نكاح المتعة إذا أسلم بعد الأجل، وإلا فلا، قال اللخمي‏:‏ ولا يختلف أنهم مخاطبون بالإصابة حال الكفر في حرمة المصاهرة‏.‏

البحث الثاني‏:‏ في النفقة، والسكنى، وفي الجواهر‏:‏ إذا أسلم قبلها ثم تخلفت لم تستحق نفقة لمدة التخلف؛ لأن الامتناع منها، وإن أسلمت وتأخر ثم أسلم، قال ابن القاسم‏:‏ لها النفقة في العدة حاملا أو حائلا؛ لأن له الرجعة، وقال أيضا‏:‏ لا نفقة لها لامتناعها بإسلامها، قال‏:‏ وهو أحسن عند أهل النظر، وفي الكتاب‏:‏ لو بنى بها وهما مجوسيان أو ذميان فافترقا لإسلام أحدهما وتأخر حيضها فلها السكنى؛ لأنها معتدة منه ‏(‏وإن كان فسخا‏)‏‏.‏

البحث الثالث‏:‏ في اختياره من العدد، وفي الكتاب‏:‏ إذا أسلم على أكثر من أربع اختار أربعا كن أوائل العقود أو أواخرها، ويفارق الباقي لما في أبي داود‏:‏ ‏(‏قال قيس بن الحارث‏:‏ أسلمت وتحتي ثماني نسوة، فأتيت النبي - عليه السلام - فقلت له ذلك، فقال‏:‏ اختر أربعا منهن‏)‏، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إنما يختار من تقدم عقدهن لفساد ما بعده، وجوابه‏:‏ أن المفسدات التي لا تقارن الإسلام لا نعتبرها، ويدل على ذلك أنه - عليه السلام - أمر بالاختيار في إنشاء حكم وتأسيس قاعدة، فلو كان ذلك معتبرا لذكره؛ لأن تأخير البيان عن وقت الحاجة لا يجوز، قال مالك‏:‏ وكذلك الأختان يفارق إحداهما لما في الترمذي‏:‏ ‏(‏أن فيروز الديلمي قال‏:‏ أسلمت وتحتي أختان فقال له عليه السلام‏:‏ فارق أيتهما شئت‏)‏، قال ابن يونس‏:‏ قال محمد‏:‏ والمجوسي يختار كالكتابي، قال ابن حبيب‏:‏ ويعطي لمن فارقها قبل البناء نصف صداقها؛ لأن الفراق باختياره، وابن القاسم يمنع ذلك؛ لأنه عنده فسخ، قال محمد‏:‏ فإن لم يختر حتى مات جميعهن فللمدخول صداقها، ولغير المدخول خمس صداقها إن كن عشرة؛ لأن عليه أربع صداقات تنقسم على عشرة، ويسقط نصف ذلك لعدم الدخول، وكذلك لو طلقهن أو بعضهن غير معين فلكل واحدة خمس صداقها قبل البناء، فإن طلق معلومة لم يختر من البواقي إلا ثلاثا؛ لأن الطلاق اختيار، أو مجهولة ثلاثا، بطل اختياره لاختلاط الحرام بالحلال، وفي الجواهر‏:‏ لا مهر للمفارقات قبل الدخول؛ لأنه مغلوب على الفراق، وقال ابن حبيب‏:‏ لكل واحدة نصف صداقها؛ لأنه كالمتنقل، وفي الاختيار كالمطلق، فإن مات قبل الاختيار قيل‏:‏ يرثه جميعهن الربع إن لم يكن له ولد، ولكل مبني بها صداقها، قال أبو الطاهر‏:‏ المشهور ربع صدقات لجميعهن بالموت، وقال ابن حبيب‏:‏ لجميعهن سبع صدقات أربع لأربع، وثلاث لستة، يقسم الجميع أعشارا‏.‏

فرع‏:‏

قال فلو كن ثمان كتابيات فأسلم أربع، ومات قبل التبين، لم يؤثر؛ لأنه ربما كان يفارق المسلمات كما لو كانت كتابية ومسلمة، وقال‏:‏ إحداكما طالق، ومات قبل التبين‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا أسلم عن أم وابنتها اختار إحداهما قبل البناء، كانا بعقد واحد أو عقدين، ولا تحرم الأم بالعقد لفساده، والإسلام لا يصححه مع الابنة، وقال غيره‏:‏ يفارقها؛ لأن الإسلام يصححه، فهو كالعقد الواحد عليهما، قال ابن القاسم‏:‏ إن حبس الأم لا يعجبني نكاح البنت؛ لأنه نكاح شبهة، وإن بنى بهما حرمتا أبدا، أو بواحدة أقام عليها لتحريم الأخرى لها بالعقد أو بالدخول، وإذا ماتت امرأة الذمي فتزوج أمها ثم أسلم، هو كالمجوسي يسلم على أم وابنتها ويسلمان، قال ابن يونس‏:‏ قال أشهب‏:‏ تحرم الأم إذا أسلم عليهما قبل البناء، وتثبت البنت؛ لأنه عقد شبهة‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إذا أمسك أربعا فوجدهن أخوات، قال القاضي إسماعيل‏:‏ إن طلق عليه السلطان من بقي كان له عنهن تمام الأربع، وقال عبد الملك‏:‏ إن تزوجن لم يكن له عليهن سبيل؛ لأنه أحلهن بالفسخ، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ يفسخ له نكاح من دخل بها إن اختارها أو وقع الفراق باختياره من غير طلاق‏.‏

البحث الرابع‏:‏ في صفة الاختيار، وفي الجواهر‏:‏ يلحق بالصريح ما أفاد معناه كطلاق واحدة أو ظهارها، والإيلاء منها، أو وطئها، أو لو قال‏:‏ فسخت نكاحها انفسخ‏.‏

الفصل الرابع‏:‏ في الردة

نسأل الله العفو والعافية- وهي مبطلة للنكاح؛ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏لئن أشركت ليحبطن عملك‏)‏ ‏(‏الزمر‏:‏ 65‏)‏، والمراد‏:‏ آثار العمل لاستحلاله رفع المانع فيبطل آثار العقد منها الحل، فإن ارتدت المرأة فلقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولا تمسكوا بعصم الكوافر‏)‏، أي‏:‏ من كفر من أزواجكم، جمعا بينه وبين قوله‏:‏ ‏(‏والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم‏)‏، ووافقنا ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل على البطلان مطلقا ارتدا معا أو مفترقين، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ هي مبطلة إلا أن يرتدا معا فيثبت لتساويهما أو يرتد الزوج وحده فينتظر في العدة كالكافر الأصلي، وجوابه‏:‏ أنهما استويا في موجب الإبطال فهما ككافرين لا نكاح بينهما، وهو الجواب عن الزوج وحده‏.‏

تفريع، في الكتاب‏:‏ إذا ارتد أحدهما بطلت العصمة بطلقة بائنة لوجود الخلاف في إبطال العمل بالردة، وفي انقطاع النكاح، وإن أسلم في عدتها فلا رجعة له للبينونة، وإن أسلمت فلا رجعة لبطلان أصل العقد، وإن كان أسيرا وجهل طوعا كفر أم كرها اعتدت امرأته، ووقف ماله وسريته، فإن مات حكمنا بردته؛ لأن الأصل عدم الإكراه، وإن ثبت الإكراه فهو على حال الإسلام، قال ابن يونس‏:‏ وروي عن أشهب أن إسلام المرأة يعيدها للعصمة؛ لأن العقد للزوج لا لها فردتها ضعيفة في الإبطال، وقال المخزومي‏:‏ للزوج الرجعة إذا رجع إلى الإسلام في العدة كالكافر الأصلي، قال اللخمي‏:‏ وروي عن مالك‏:‏ الردة فسخ بغير طلاق كالرضاع، وقيل‏:‏ طلقة رجعية، وقال عبد الملك‏:‏ إن أسلم في عدتها فلا طلاق، وإلا فطلقة، وقال أصبغ‏:‏ إذا ارتد وامرأته نصرانية أو يهودية لا تحرم عليه إن عاود الإسلام تسوية بين ردته والكفر الأصلي، ولا خلاف أن الردة لا تبطل عقود البياعات‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إذا ادعى ردتها فأنكرت فرق الحاكم بينهما لإقراره، ولو كانت كتابية‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ لو تنصر يهودي أو تهود نصراني أقر؛ لأن الكفر ملة واحدة، وروي عن مالك أنه يقتل لخروجه عن الذي عوهد عليه إلا أن يسلم، ولو تزندق أحدهما، قال مالك‏:‏ لا يقتل لخروجه من كفر إلى كفر، وقال عبد الملك‏:‏ يقتل؛ لأنه كفر لا يقر عليه، وروي عن مالك يقتل كالمسلم يتزندق‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ إذا تزوج المرتد في ردته فلا صداق، وإن دخل بها؛ لأن ماله للمسلمين إذا قل، وللحجر بعد الردة بحيث لا ينفق على ولده، قال ابن القاسم‏:‏ إن ارتد وتحته ذمية، وقعت الفرقة لبطلان العقد، وإن ارتد إلى دينها، ولو تزوج حال ردته ذمية لم يجز، رجع إلى الإسلام أم لا للحجر، وقال ابن حبيب‏:‏ إن تزوج بعد حبسه للاستتابة فسخ، وإن قتل فلا صداق كانت مسلمة أو كافرة، وقال عبد الملك‏:‏ يثبت نكاحه إذا رجع إلى الإسلام لزوال الحجر، وحمل أبو الحسن قول ابن القاسم في عدم الصداق على أنها كانت عالمة، وقال‏:‏ لو لم تعلم لم يسقط ربع دينار؛ لأنه حق الله تعالى، ولو رجع إلى الإسلام لكان لها جميع الصداق تزوجها قبل الحجر أو بعده‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا رجع إلى الإسلام سقطت عنه حقوق الله تعالى فيما تركه قبل الردة من صلاة، وصوم، وزكاة، وحد، ونذر، ويمين بعتق وظهار؛ لقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏الإسلام يجب ما قبله‏)‏، وتثبت حقوق العباد من القذف، والسرقة، والقتل كما يؤخذ به الذمي، ويأتي قتله على الردة على جميع ذلك إلا القذف فيحد ثم يقتل ليرتفع عار القذف على المقذوف، وإذا رجع ابتدأ الحج، والإحصان لحبوطهما، قال اللخمي‏:‏ وقال غيره‏:‏ إذا تاب هو كمن لم يرتد له وعليه، فيقضي الصلاة المنسية، ولا يقضي الحج المفعول لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ومن يرتد منكم عن دينه فيمت وهو كافر فأولئك حبطت أعمالهم في الدنيا والآخرة وأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون‏)‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 217‏)‏، وهذه الآية مقيدة، وتلك الآية مطلقة، والمطلق يحمل على المقيد، وإليه ذهب ‏(‏ش‏)‏، وجوابه‏:‏ من وجهين‏:‏ أحدهما‏:‏ أن القائل لعبده‏:‏ إن دخلت الدار فأنت حر، ثم قال له في وقت آخر‏:‏ إن دخلت الدار وكلمت زيدا فأنت حر، فإنه يعتق بالدخول، وحده اتفاقا؛ لأنه جعل لعقته سبيلين؛ لأن الشروط اللغوية أسباب، وقد وجد أحدهما فترتب عليه الحكم، وليس هذا من باب الإطلاق والتقييد‏.‏

وثانيهما‏:‏ سلمناه، ولكن المرتب على الردة الموافاة عليها أمران‏:‏ الحبوط، والخلود، وترتيب شيئين على شيئين يجوز أن يفرد أحدهما بأحدهما، والآخر بالآخر، ويجوز عدم الاستقلال وليس أحد الاحتمالين أولى من الآخر، فيسقط الاستدلال بل الراجح الاستقلال؛ لأن الأصل عدم التركيب‏.‏

وفي الكتاب‏:‏ ميراثه للمسلمين دون ورثته إن قتل، ولا يرث هو لأنه دين لا يقر عليه فهو مباين لجملة الملل، ولا يأخذ ميراثا بإسلامه بعد موت المورث لقيام المانع حالة الاستحقاق، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن الكاتب‏:‏ إنما يسقط عنه العتق غير المعين أما المعين فلا كالدين، وقال سحنون‏:‏ لا يسقط حد الزنا لئلا يتذرع الناس بالردة لإسقاط الحد، قال صاحب النكت‏:‏ إذا حنث في ظهاره ثم ارتد ثم أسلم سقطت عنه الكفارة كنذر المساكين بخلاف الظهار نفسه، وسوى بعض القرويين بينهما في السقوط، وفي التنبيهات‏:‏ قال اللخمي‏:‏ قال القابسي‏:‏ إذا تاب رجع كأنه لم يزل مسلما‏.‏

فرع‏:‏

إذا ارتاب في امرأة هل تزوجها في العدة أم بعد الرجوع‏؟‏ فالقول قول مدعي الحل؛ لأنه الأصل في تصرفات العقلاء‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ واختلف في ولد المرتد، فقال ابن القاسم‏:‏ إذا ارتد ولحق بدار الحرب فالمولود بعد الردة وولده الصغير وامرأته فيء، وقال محمد‏:‏ الحمل قبل الردة يجبر على الإسلام ما لم يحتلم فيجبر عند ابن القاسم، وقال أشهب‏:‏ يجبر بالضرب، قال ابن القاسم‏:‏ المولود حال الردة يجبر قبل الحلم؛ لأن الردة لا يقر عليها فيتبعها الولد فإذا بلغ ترك لاستقلاله، وقال أيضا في أهل حصن ارتدوا يقتلون ولا تسبى ذراريهم، وقال سحنون‏:‏ إذا ارتد ولحق بدار الحرب وولد له، ثم تاب هو وولده وإلى ولد ولده فحكمه كحاكم جده، ولا يسبى، ويقتل من لم يسب من الكبار تغليبا لإسلام جدهم السابق، ويكره الصغار على الإسلام، ثم رجع فقال‏:‏ من بلغ ترك، قال‏:‏ فإن قتل الأب والولد صغير‏:‏ أرى أن يحكم له بالإسلام بخلاف ولد الذمي، والفرق‏:‏ عدم اعتبار دين الردة‏.‏

الفصل الخامس‏:‏ في السبي

وفي الكتاب‏:‏ السبي يهدم النكاح سبيا جميعا أم لا، وعلى المسبية الاستبراء بحيضة، ولا عدة؛ لأنها صارت أمة، وأصله ما روى ابن وهب، عن أبي سعيد الخدري، قال‏:‏ أصبنا سبابا يوم أوطاس ولهن أزواج، فكرهنا أن نقع عليهن، فسألنا النبي عن ذلك، فأنزل الله تعالى‏:‏ ‏(‏والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم‏)‏ ‏(‏النساء‏:‏ 24‏)‏ فاستحللناهن‏.‏

قال ابن قسيط‏:‏ وإذا ابتعت عبدا وامرأته من السبي قبل تفريق القسم بينهما فلك التفريق بينهما ووطء الأمة، قال ابن يونس‏:‏ اختلف في معناه، قيل‏:‏ إذا لم يقرهما السلطان على النكاح، وقيل‏:‏ قوله خلاف، وبيعهما جميعا إقرار على النكاح سبيا جميعا أو الزوج ثم دخلت المرأة بأمان في العدة، وروي‏:‏ لا سبيل لأحدهما على الآخر، قال‏:‏ ولا خلاف أن السبي يسقط عقود الأجانب، وغيرهما، وفي التنبيهات‏:‏ قال محمد‏:‏ إنما يهدم السبي النكاح إذا وطئ السيدُ بعد الاستبراء ولم يَعلَم بعدُ بالزوجية‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا باع بدار الحرب رقيقا، وذكر الرقيقُ أن بينهم نكاحا إن علم ذلك ببينة ثبت النكاح؛ لأن هذا ليس بسبي، وإلا فلا لاتهامهم في إباحة الوطء‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ ولو أسلم الزوج بدار الحرب وأتى إلينا، وقدم بأمان فأسلم وسبيت امرأته فهي في عصمته إن أسلمت، وإلا فُرق بينهما؛ إذ لا ينكح المسلم أمة كتابية‏.‏

وهي وولدها ومهرها الذي عليه فيء، قال صاحب النكت‏:‏ قال بعض شيوخنا‏:‏ إذا قدمت بأمان فأسلمت أم لا، ثم سبي الزوج بقرب ذلك فأسلم فهما على النكاح إلا أنها لا تجبر لأجل رقه بالسبي، ويصدق التجار الكفار في الزوجية بين المملوكين؛ لأنها عيب ينقص الثمن فهو إقرار عليهم وليس شهادة‏.‏

المانع التاسع‏:‏ الرق على أحد الشخصين للآخر

وهو يمنع في جميع الحالات، وقاله الأئمة فلا يجوز للرجل نكاح أمته، ولا للمرأة نكاح عبدها، ومتى ملك أحد الزوجين صاحبَهُ انفسخ النكاح‏.‏

قاعدة‏:‏ كل تصرف لا يترتب عليه مقصوده لا يشرع، فلذلك لا يحد المجنون بسبب في الصحة، ولا السكران؛ لأن مقصود الحد الزجر بما يشاهده المكلف من المؤلمات والمذلات في نفسه، وذلك إنما يحصل بمرآة العقل، وكذلك لا يشرع اللعان في المجنون، ومن لا يولد له؛ لأنه لا يلحق به الولد، وكذلك لا يشرع عقد البيع مع الجهالة والغرر؛ لأن مقصوده تنمية المال وتحصيل مقاصد العوضين، وذلك غير معلوم حينئذ، ونظائرها كثيرة فلهذه القاعدة لا يشرع نكاح الرجل أمته؛ لأن مقاصد النكاح حاصلة قبل العقد بالملك، فلم يحصل العقد شيئا فلا يشرع‏.‏

قاعدة‏:‏ مقصود الزوجية‏:‏ التراكن والود والإحسان من الطرفين لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجا لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودة ورحمة‏)‏ ‏(‏الروم‏:‏ 21‏)‏، ومقصود الرق‏:‏ الامتهان والاستخدام والقهر بسبب سابقة الكفر أو مقارنته زجرا عنه، وهذه المقاصد مضادة لمقاصد الزوجية فلا يجتمعان‏.‏

قاعدة‏:‏ من مقتضى الزوجية قيام الرجل على المرأة بالحفظ والصون والتأديب لإصلاح الأخلاق لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏الرجال قوامون على النساء‏)‏ ‏(‏النساء‏:‏ 34‏)‏، والاسترقاق يقتضي قهر السادات، والقيام على الرقيق بالإصلاح والاستيلاء والاستهانة، فيتعذر أن تكون المرأة زوجة وسيدة لتنافي البابين‏.‏

قاعدة‏:‏ كل أمرين لا يجتمعان يقدم الشرع والعرف والعقل أقواهما، والرق أقوى من النكاح لكونه يوجب التمكن من جملة المنافع والرقبة، وبعض المنافع إباحة الوطء الذي لا يقتضي النكاح غيره، فيكون الملك أقوى فيقدم إذا تقرر ذلك فلا يتزوج الرجل أمته للقاعدة الأولى، ولا المرأة عبدها للقاعدة الثانية والثالثة، ومتى دخلت الزوجية على الرق، والرق على الزوجية كمشتري امرأته لا يثبت إلا الرق في سائر الأحوال للقاعدة الرابعة‏.‏

تفريع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا اشترت المرأة زوجها بعد البناء فسخ النكاح واتبعته بالمهر، كمن داين عبدا ثم اشتراه، أو قبل البناء فلا مهر إلا أن سرى هي وسيده فسخ النكاح، أي‏:‏ يقصدان فلا يجوز، وتبقى زوجة؛ لأن العصمة بيد العبد فلا تخرج من يده بالضرر، قال اللخمي‏:‏ إذا اشترته مكاتبا أو اشتراها مكاتبة، قيل‏:‏ يفسخ النكاح لملك الرقبة، وقيل‏:‏ لا يفسخ؛ لأن العقد الآن إنما وقع على الكتابة، فإن حصل العجز فحينئذ يفسخ، وفي الجواهر‏:‏ إذا وهبها انفسخ نكاحه، وفي الكتاب‏:‏ لا يجوز ولا ينفسخ؛ لأنه عرض فاسد، وقال أصبغ‏:‏ يكره ويجوز، وقال عبد الملك‏:‏ إن كان مثله يملك مثلها جاز، ويفسخ النكاح وإلا بطلت الهبة ولا يفسخ، قال ابن محرز‏:‏ هذا يدل من ملك على إجبار السيد عبده على قبول الهبة؛ إذ لولا ذلك لم يكن لمقصد السيد تأثير؛ لأن للعبد عدم القبول، قال اللخمي‏:‏ قال محمد‏:‏ إذا اشترى أحدهما صاحبه بالخيار لا ينفسخ النكاح إلا بقبول من له الخيار لعدم تحقق المعارض أو بالعهدة انفسخ حينئذ لتحقق نقل الملك، ولذلك شرط الاستبراء، وإن كان الماء ماء، ‏(‏قال‏:‏ والقياس في المسألتين عدم الفسخ الآن، وفي الكتاب‏:‏ لا يتزوج الرجل مكاتبته، ولا أمته، ولا المرأة‏)‏ عبدها، ولا مكاتبها، ولا يتزوج أمة ولده؛ لأنه لو زنا بها لم يحد كأمته، وفي الجواهر‏:‏ إن فعل سقط الحد، وتحرم على الابن بالمصاهرة، ويلحق النسب، وينعقد الولد على الحرية، وتصير أم ولده، وينقل الملك إليه بمجرد الوطء، وتثبت قيمة الولد من غير خياره، وقال عبد الملك‏:‏ له التمسك في عسر الأب ويسره، ما لم تحمل إذا كان الابن مأمونا على غيبته عليها، فإن كانت موطوءة للابن ملكها الأب بالاستيلاد، وحرم عليه وطؤها بوطء الابن فتعتق عليه لتحريم الوطء‏.‏

وفي الكتاب‏:‏ نكاح الحرة على الأمة، وللحرة الخيار إن لم تكن علمت، فإن كانتا اثنتين فعلمت إحداهما دون الأخرى فلها الخيار بعد علمها بالأخرى، وأما إذا تزوج العبد الحرة على الأمة أو بالعكس فلا خيار؛ لأن الأمة من نسائه، ولأنها رضيت بمقارنة العبد مع وصف الاستيلاد، قال اللخمي‏:‏ وقال عبد الملك‏:‏ لها الخيار لمزيد الضرر‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا اشترى أمة من أبيه لم تكن له أم ولد يحملها ولا ولدها ولا قبل الشراء المعتقة على هذه بخلاف أمة الأجنبي، وقال غيره‏:‏ لا يجوز شراؤه لها لعتق حملها على الحد‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ الأحسن أن لا يطأ أمة عبده، ولا يزوجها منه إلا بعد الانتزاع، فإن فعل صح؛ لأن التزويج انتزاع، ولا يصح زواج أحد لأمته إلا في هذه الصورة‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ قال محمد‏:‏ إذا أخدم السيد عبده لامرأة العبد، والأمة لزوجها‏:‏ إن كان مرجع العبد للحرية انفسخ النكاح إن قبل المخدَم للخدمة، أو إلى سيده أو غيره بالملك لم ينفسخ لتعذر ملك غيره المرأة عليه‏.‏

المانع العاشر‏:‏ الرق في بعض الحالات

وهو الرق الثابت على المرأة لغير الزوج، وقال اللخمي‏:‏ تزويج الأمة جائز، ويختلف فيه فالجائز كل أمة يكون ولدها حرا من ذلك النكاح كأمة الأب، والأم، والأجداد، والجدات، وقيل‏:‏ الأب والأم خاصة، وأجاز ابن عبد الحكم أمة الابن وكل هذا إذا كان السيد حرا أما لو كان عبدا يكون الولد رقيقا للسيد إلا بعد نكاح لا يرجى نسله كالخصي، والشيخ الفاني، فإن الشرع إنما منع الأمة صونا للولد عن الرق، ونكاح العبد إذا لا عار عليه في رق ولده، والمختلف فيه حيث يكون ولد الحر رقيقا من ذلك النكاح فالمشهور المنع، وفي الجواهر‏:‏ لا يجوز إلا بثلاثة شروط‏:‏ عدم الطول، وخشي العنت، وكونها مسلمة، وقاله ‏(‏ش‏)‏ لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات‏)‏ إلى قوله ‏(‏لمن خشي العنت منكم‏)‏ ‏(‏النساء‏:‏ 25‏)‏، وروي عن مالك الجواز مطلقا ومنشأ الخلاف‏:‏ مفهوم الشرط الذي في الآية هل هو ليس بحجة فيتأتى قول مالك؛ لأن الآية لم تدل على المنع بمنطوقها بل بالمفهوم أو حجة فيأتي قول ابن القاسم، وإذا فرعنا على المشهور ففي الكتاب‏:‏ الطول‏:‏ صداق الحرة لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏استأذنك أولو الطول منهم‏)‏ ‏(‏التوبة‏:‏ 86‏)‏، ‏(‏ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات‏)‏ فيدل على أن الطول‏:‏ المال والقدرة، وقاله ‏(‏ش‏)‏، ولا يرعى القدرة على النفقة؛ لأنها شرط في التمكن من البقاء إلا في العقد، واشترطها أصبغ، لأنه لا يزوج إن علم عجزه عنها، وروي‏:‏ أن الطول وجود الحرة في عصمته؛ لأن القدرة عليها إذا امتنعت فهو أولى، وعلى المشهور‏:‏ لو عدم المال وخشي العنت أبيحت له الأمة، وإن كان تحته ثلاث حرائر، قال القاضي أبو بكر‏:‏ ولو قدر على صداق كتابته للزوج الأمة، ولو عالته الحرة في المهر فسرق فلم يجد غيرها تزوج الأمة‏.‏

ولو قنعت بدون صداق المثل وهو قادر عليه حرمت الأمة، وأما العنت‏:‏ فهو الزنا سمي بذلك؛ لأن أصله التضييق، والمشقة لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏ولو شاء الله لأعنتكم‏)‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 220‏)‏، أي‏:‏ لضيق عليكم، ومنه التعنت في الصحبة، ولما كان الزنا يؤدي إلى عذاب الله تعالى وَكَفَى بِهِ حَرَجًا سمي عنتا من تسمية السبب باسم المسبَّب، وإنما يتم بغلبة الشهوة وضعف الخوف من الله تعالى، فإذا اشتد الخوف وأمن على نفسه حرمت الأمة‏.‏

فرع‏:‏

لو هوي أمة بعينها وخشي من الزنا معها دون غيرها ولم يمكنه الصبر، فرويت إباحتها دفعا للزنا، وخرج القاضي أبو الوليد هذه الرواية على عدم اعتبار الشرطين، والقدرة على صرف العنت بالتسري يمنع الأمة‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا تزوجها لحصول الشرائط ثم قدر على الحرة لم يفسخ نكاح الأمة، وإن قلنا‏:‏ الحرة طَول لوقوع العقد صحيحا، وقاله الأئمة، قال اللخمي‏:‏ وقال ابن حبيب‏:‏ يجوز له البقاء إذا أفاد طولا أما إن تزوج حرة حرمت عليه الأمة، قال أبو الطاهر‏:‏ واستقرأ اللخمي وجوب المفارقة، وفي المقدمات‏:‏ وأما إن أمن العنت لا يؤمر معه بالمفارقة قولا واحدا، والفرق‏:‏ أن ميل الشهوات غير منضبط ولا مأمون، بخلاف وجود المال‏.‏

قاعدة‏:‏ الموانع الشرعية ثلاثة أقسام‏:‏ منها ما يمنع ابتداء الحكم واستمراره، كالرضاع يمنع ابتداء الحكم ويقطعه إذا طرأ عليه، والرق في أحد الزوجين، ومنها ما يمنع ابتداء فقط، كالاستبراء يمنع العقد وإذا طرأ لا يمنع، ومنها ما اختلف فيه‏:‏ هل يلحق بالأول أو بالثاني‏؟‏ كوجود الطول، والماء في التيمم يمنع ابتداء التيمم، وهل يبطله إذا طرأ عليه‏؟‏ خلاف، والإحرام يمنع وضع اليد على الصيد، وهل يحرم الإمساك‏؟‏ خلاف، وينعطف البحث هاهنا على قاعدة أخرى، وهي‏:‏ أن الشرع إذا نصب سببا أو شرطا بحكمة، هل يجوز اعتبار تلك الحكمة إن وجدت منفردة‏؟‏ الأصح منعه، كنصب السرقة سببا للقطع لحكمة صيانة المال، وقد وجدت الحكمة في حق الغاصب وغيره ولا يقطع، والزنا سبب الرجم لحكمة صيانة الأنساب، فلو خلط الأنساب بغير الزنا لا يرجم، وكذلك هاهنا نصب الطول سببا للمنع من العقد على الأمة لحكمة إرقاق الولد فهل تراعى هذه الحكمة حيث وجدناها أو بعد العقد فتحرم الأمة أم لا‏؟‏ خلاف، ونظائره كثيرة، وقد تقدم بسطه في الرضاع وغيره‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إذا تزوج أمته على أن ما تلده حر‏:‏ فسخ قبل البناء وبعده؛ لأنه شرط على خلاف مقتضى العقد، قال‏:‏ ولها المسمى، والولد حر، والولاء لسيده تنزيلا لاشتراطه منزلة عقده، قال محمد‏:‏ فإن باعها فولدها عبد المشتري، قال‏:‏ وكذلك أرى إن لم يبع، وفسخ الشرط، أو رجع السيد فيه قبل تحمل؛ لأن الرضا بالفاسد لا يلزم، فإن استحقت أخذ المستحق ولدها، وبطل من عتق قبل ذلك، ولو غره السيد بأنها ابنته عتق الولد لنشأته على الحرية، وللسيد على الأب القيمة عند ابن حبيب خلافا لمطرف‏.‏

فرع‏:‏

في الجواهر‏:‏ إذا تزوج أمة بشروطها فلم تغنه فله الزيادة إلى الأربع، ولو استغنى بالأولى ففي إباحة ما زاد خلاف؛ لتعين الرق هل ووافقنا ‏(‏ح‏)‏، وقال ابن حنبل، و‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا يجوز أن يزيد على الواحدة وإن لم يستغن بها، وأباح حماد اثنتين، لنا‏:‏ أن الحاجة متحققة في غير الواحدة، وهي المبيحة للواحدة فوجب أن تبيح ما عداها‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ لا تتزوج حرة على أمة لما فيه من أذية الحرة بسوء المقارنة، فإن فعل جاز، وخيرت الحرة في نفسها بطلقة بائنة، كعيب حدث في الزوج يوجب الفراق بخلاف اختيار المعتقة لتوقع عتق الزوج، وكذلك تخير إذا تزوج أخرى، قال صاحب المنتقى‏:‏ في كتاب محمد‏:‏ إن طلقت ثلاثا نفذ، قال صاحب المقدمات‏:‏ إذا تزوج الحر أمة على الحرة فعلى القول بعدم اشتراط الطول والعنت، وهو المشهور عند ابن القاسم، خلاف المشهور عن مالك، فلا كلام للحرة إلا عند التونسي؛ لأنها من نسائه ابتداء كالحرة الدنية، وعلى القول بالاشتراط فخمسة أقوال‏:‏ الخيار للحرة في نفسها، كانت داخلة على الأمة أو بالعكس، والثاني‏:‏ إن كانت داخلة تخير في نفسها؛ لأنها فرطت في التعرف، والأمة الداخلة فلها الخيار في الأمة دفعا للضرر، والثالث‏:‏ إن دخلت الأمة عليها فلها الخيار في نفسها أو بالعكس فلا خيار لها، والرابع‏:‏ إن دخلت الأمة عليها فسخ نكاح الأمة؛ لأن الحرة طول، والخامس‏:‏ إن دخلت الأمة فسخ نكاح الأمة، وإن دخلت الحرة لم يفسخ نكاح الأمة؛ لأن العقد جائز‏.‏

قال صاحب البيان‏:‏ على قول ابن القاسم لا مقال للحرة، وهو الذي تدل عليه ألفاظ المدونة، وتأول التونسي أن القول لها على القولين، وهو يصح على قول عبد الملك الذي يرى الخيار لها وإن كان زوجها عبدا، وقال ‏(‏ح‏)‏، و‏(‏ش‏)‏‏:‏ لا يجوز نكاح الأمة على الحرة ولو أذنت؛ لأنها طول عندهما، ويجوز نكاح الحرة على الأمة، وقال ابن حبيب‏:‏ نكاح الحرة طلاق الأمة، قال اللخمي‏:‏ ولا أرى الخيارين بل تخير هل ترضى المقام أم لا، فإن لم ترض كان الخيار للزوج يطلق أيهما أحب، وينبغي أن يعلمها إن كان يؤثر الأمة فعلّها تختار البقاء، وفي الكتاب‏:‏ يجوز نكاح الحرة على الأمة، وللحرة الخيار إن لم تكن علمت، فإن كانتا اثنتين فعلمت إحداهما دون الأخرى فلها الخيار بعد علمها بالأخرى، وأما إذا تزوج العبد الحرة على الأمة أو بالعكس فلا خيار؛ لأن الأمة من نسائه، ولأنها رضيت بمقارنة العبد مع وصف الاستيلاء، وقال اللخمي‏:‏ وقال عبد الملك‏:‏ لها الخيار لمزيد الضرر‏.‏

فرع‏:‏

إذا تزوج الأمة والحرة في عقد، وسمي لكل واحدة صداقها فسخ في حق الأمة وبقيت الحرة، ثم قال‏:‏ إن علمت الحرة جاز ولا خيار لها، وإلا خيرت في نفسها، قال اللخمي‏:‏ إذا علمت بالأمة وأن الرجل لا تكفيه حرة ولا يجد طول الأخرى، فنكاح الأمة جائز إلا أن نقول‏:‏ الحرة طول، وإن تكفه الحرة أو يجد طولا فسخ نكاح الأمة، وإن لم تعلم بأن التي معها أمة، والزوج يجوز له نكاح الأمة، كان الحق للأمة، ويجري على الخلاف، وإذا فسد نكاح الأمة فسخ نكاح الحرة، وإن اتحد العقد لافتراق الملك، وقال ابن القاسم‏:‏ يفسد لجمعه حلالا وحراما، كالأم وابنتها في عقد، فإن كانت الأمة ملكا للحرة فسخ على المشهور لجمع العقد بين حلال وحرام لملك واحد‏.‏

المانع الحادي عشر‏:‏ كونها أمة للابن

لأنها كأمته لعدم إقامة الحدود عليه في الزنا والسرقة من مال ابنه، وقاله ابن حنبل خلافا لـ ‏(‏ح‏)‏‏.‏

المانع الثاني عشر‏:‏ كونها أم السيد

لأن ملك ابنها كملكها فكما لا تتزوج بعبدها فكذلك عبد ابنها‏.‏

المانع الثالث عشر‏:‏ الإحرام

فلا يجوز تزويج المحرمة، وقد تقدم بسطه في الحج‏.‏

المانع الرابع عشر‏:‏ المرض

فلا تجوز المريضة، وكذلك المريض، وقد تقدم بسطه في أحوال الزوج‏.‏

القطب الثالث‏:‏ المعقود به، وهو الصداق

وفي التنبيهات‏:‏ يقال بفتح الصاد وكسرها، وأصدقه وصدقة، وفي الجواهر‏:‏ لا يجوز التراضي بإسقاطه لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وَامْرَأَةً مُؤْمِنَةً إِنْ وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَنْ يَسْتَنْكِحَهَا خَالِصَةً لَكَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ قَدْ عَلِمْنَا مَا فَرَضْنَا عَلَيْهِمْ فِي أَزْوَاجِهِمْ‏)‏ ‏(‏الأحزاب‏:‏ 50‏)‏، أي‏:‏ من الصداق، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏وهبت نفسها‏)‏ يقضي اختصاص المرأة بالنبي صلى الله عليه وسلم دون المؤمنين، وقوله تعالى‏:‏ ‏(‏خالصة‏)‏ لا بد فيه من زيادة فائدة؛ لأن الأصل عدم التكرار، وهي اختصاص الهبة به دون المؤمنين فلا يجوز لغيره فيتعين اشتراط الصداق، ولا يلزم التصريح به‏.‏

لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏لا جناح عليكم إن طلقتم النساء ما لم تمسوهن أو تفرضوا لهن فريضة‏)‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 236‏)‏ فنص تعالى على شرعية الطلاق في صورة عدم الفرض، ومشروعيته دليل صحة النكاح، والواجب لا بد أن يقدر حتى يخرج المكلف عن عهدته، قال اللخمي‏:‏ وقدره‏:‏ ربع دينار، أو ثلاثة دراهم، أو ما يساوي أحدهما، وقيل‏:‏ ما يساوي ثلاثة دراهم، كقول ابن القاسم في السرقة، وفي القبس‏:‏ قال ابن وهب‏:‏ أقله درهم ونحوه؛ لطلبه - عليه السلام - خاتما من حديد، وعند ‏(‏ح‏)‏‏:‏ عشرة دراهم؛ لأنه نصاب السرقة عنده، فإن تزوجها بخمسة وطلقها قبل البناء أخذتها؛ لأن الصداق الواجب عنده لا يتشطر، واحتج بقوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏لا صداق أقل من عَشَرة دراهم‏)‏، قال صاحب الاستذكار‏:‏ ولم يثبته أحد من أهل العلم، وعند ‏(‏ش‏)‏‏:‏ هو غير مقدر بل ما ينطلق عليه اسم مال، وعند ابن حنبل‏:‏ ما ينطلق على نصفه اسم مال؛ ليبقى لها المسمى بعد التشطير لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏أن تبتغوا بأموالكم‏)‏ ‏(‏النساء‏:‏ 24‏)‏ فيقتصر على المسمى قياسا كسائر الصور التي أطلقت فيها النصوص، وجوابهما أن هذه القاعدة صحيحة لكن السنة أبطلت الاقتصار على المسمى هاهنا، وهي ما في ‏(‏الموطأ‏)‏ ‏(‏أنه - عليه السلام - جاءته امرأة فقالت‏:‏ يا رسول الله، قد وهبت نفسي لك فقامت قياما طويلا، فقام رجل فقال‏:‏ يا رسول الله، زوجنيها إن لم تكن لك بها حاجة فقال عليه السلام‏:‏ هل عندك من شيء تصدقها إياه‏؟‏ فقال‏:‏ ما عندي إلا إزاري هذا، فقال عليه السلام‏:‏ إن أعطيتها إياه جلست لا إزار لك فالتمس شيئا، فقال‏:‏ لا أجد شيئا، فقال‏:‏ التمس ولو خاتما من حديد، فالتمس فلم يجد شيئا، فقال له عليه السلام‏:‏ هل معك من القرآن شيء‏؟‏ فقال‏:‏ نعم، سورة كذا، وسورة كذا لسور سماها، فقال عليه السلام‏:‏ قد أنكحتكها بما معك من القرآن‏)‏ يدل من أربعة أوجه‏:‏

أحدها‏:‏ قوله‏:‏ ما عندي إلا إزاري، ومعلوم بالعادة أن الإنسان لا يعجز عن حجر أو حطب أو ما يساوي فلسا فدل ذلك على أن المراد ماله بال، وإلا فالعادة تكذبه، وكان - عليه السلام - يكذبه حينئذ‏.‏

وثانيها‏:‏ قوله ما أجد شيئا بعد قوله عليه السلام‏:‏ التمس شيئا، ومعلوم أنه لو التمس ما ذكرناه لوجده‏.‏

وثالثها‏:‏ قوله عليه السلام‏:‏ التمس ولو خاتما من حديد، في معرض المبالغة يقتضي أن ذلك أقل ما يجزئ، ومعلوم أن الخاتم أعظم من أقل ما يتمول‏.‏ ورابعها‏:‏ قوله‏:‏ فالتمس فلم يجد شيئا، ومعلوم أنه يجد ما تقدم ذكره فدل ذلك على أن المراد بالآية ما له قدر من المال فيتعين ما ذكرناه؛ لأنه عضو فيستباح بالمال فوجب أن يقدر ما ذكرناه كقطع اليد في السرقة، وأما ‏(‏ح‏)‏ فوافقنا في المدرك غير أنه خالف في نصاب السرقة فنجيبه في بابه إن شاء الله‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ إذا تزوجها بغير صداق، قال سحنون‏:‏ يفسخ بعد الدخول، قال أشهب‏:‏ ولها بعد البناء والفسخ ثلاثة دراهم، وقال ابن وهب‏:‏ صداق المثل لبطلان ما حصل الرضا به، وفي الكتاب‏:‏ لا يفسخ بعد البناء ولها صداق المثل‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب المقدمات‏:‏ استحب العلماء عدم المغالاة في الصداق؛ لأن صداق أزواجه - عليه السلام - كان خمسمائة درهم لغالبهن مع فرط شرفه وشرفهن‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا تزوج بدرهمين أو ما يساويهما فسخ، إلا أن يدخل فيجبر على الإتمام، ولا يفسخ للخلاف في هذا الصداق، وقال غيره‏:‏ يفسخ قبل البناء وبعده، وإن أتم، ولها صداق المثل بعد البناء كمن تزوج بغير صداق، قال ابن القاسم‏:‏ وإن طلق قبل البناء فلها درهم لقوله تعالى‏:‏ ‏(‏فنصف ما فرضتم‏)‏ ‏(‏البقرة‏:‏ 237‏)‏، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن الكاتب إذا لم يتم فسخ بطلقة، ولا شيء لها إلا نصف الدرهمين، ولا غيره؛ لأن التشطير فرع الصحة، ونحن لا نصححه، قال‏:‏ والصواب‏:‏ لها إلا نصف الدرهمين، والفسخ عندنا استحبابا‏.‏

وفي الصداق نظران‏:‏

النظر الأول‏:‏ في الصحيح

وفيه أربعة عشر فصلا‏.‏

الفصل الأول‏:‏ فيما يجوز فيه من الغرر

قال أبو الطاهر‏:‏ والغرر الفاحش ممنوع فيه ابتداء اتفاقا، فإذا وقع ففي مضيه بالعقد لما يتعلق به‏.‏

من تحريم المصاهرة أو بالدخول؛ لأنه فوت له، ويفسخ مطلقا؛ لأنه ليس مالا، والصداق ركن العقد‏:‏ ثلاثة أقوال، وفي الفسخ قبل الدخول على الوجوب أو الندب‏:‏ قولان، وأما غير الفاحش ففي الكتاب‏:‏ يجوز على بيت أو خادم غير موصوف، ولها الوسط، والبيت اللائق بها، وعلى شورة إن كانت معتادة، وفي التنبيهات‏:‏ الشوار ‏(‏بفتح الشين ما يحتاج إليه البيت من المتاع الحسن، والشارة، والهيئة، وحسن الملبس‏)‏، والشورة بالضم‏:‏ الحال‏.‏

وعلى مائة بعير غير موصوفة، ولها الوسط من الأسنان وليس للزوج دفع القيمة إلا أن ترضى، ووافقنا ‏(‏ح‏)‏، وقال ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل‏:‏ لا يجوز إلا بمعلوم موصوف كالبيع، ومتى أطلق النقد أو غيره فهو حال؛ لأنه أصل المعاملات، وإن أظهروا مهرا، وأسروا دونه فالمعتبر السر إن شهدوا به؛ لأن اللزوم يتبع الرضا بالبدل، وقال ابن حنبل‏:‏ لا تعتبر العلانية، ولو أظهرو تجملا؛ لأنها تسمية في عقد صحيح فتجب، وقال ‏(‏ح‏)‏‏:‏ إن خالفت العلانية ما عقد عليه سرا فالعلانية، إلا أن يشهدا على السر فتدل الشهادة على أن زيادة العلانية هزل، قال صاحب البيان‏:‏ إذا كان الصداق عبدا ولم يبين أهو من الحمر أو من السودان فلها وسط الأمرين، ولها في الثلاثة رأس من وسط الجنس، ونصف قيمة الآخر يوم وقع العقد نفيا للشركة في الرقيق، قال ابن القاسم‏:‏ والأشبه الشركة، قال ابن يونس‏:‏ قال أبو محمد‏:‏ إن تزوجها على أن يبني لها بيتا، وهي بقعة معينة في ملكه، ووصف الطول والعرض والبناء جاز، وإن كانت مضمونة فلا لفرط الغرر، قال محمد‏:‏ ولها الأغلب من رقيق البلد، فإن استوى أعطيت النصف من السودان، والنصف من الحمران على قدر قيمة ذلك يوم العقد، وقال سحنون‏:‏ لا يجوز على خادم حتى يسمى جنسها فيتعين وسط ذلك الجنس، وإلا فسخ قبل البناء، وثبت بعده، ولها صداق المثل، وقال ابن عبد الحكم‏:‏ لا يجوز إلا على معلوم مقدر كقول ‏(‏ش‏)‏، لنا‏:‏ قوله عليه السلام‏:‏ ‏(‏الصداق ما تراضى عليه الأهلون‏)‏‏.‏

قاعدة‏:‏ الغرر والجهالة ثلاثة أقسام‏:‏ جائز إجماعا في جملة العقود، كجهالة أساس الدار، وبطن الأجنة، وغرر كون المبيع لا يبقى حتى يقبض، وممنوع إجماعا في عقود المعاوضات، كالطير في الهواء، أو مختلف فيه كبيع الغائب والسلم في الحيوان، أو النكاح على ما بين جنسه لا نوعه، فمن العلماء من يلحقه بالقسم الأول، ومنهم من يلحقه بالثاني‏.‏

قاعدة‏:‏ العقود ثلاثة أقسام‏:‏ منها ما ينافي مقصوده الجهالة والغرر كالبيع؛ لأن مقصوده تنمية المال، وهي غير منضبطة معهما فلذلك امتنعا فيه إجماعا، ومنها ما لا ينافيان مقصوده كالهبة، فإن مقصودها الرد، وهو حاصل معهما، وكالصلح المقصود به دفع الخصومة، وهي مندفعة بالرضا بما هما فيه، وكالخلع مقصوده خلاص المرأة من رق النكاح، وهو حاصل بالرضا بما هما فيه، فلا جرم قلنا بجوازهما في هذه الأمور، ومنها ما ينافيانه ‏(‏من وجه دون وجه كالنكاح فمن جهة أن مقصوده المواصلة لا ينافيانه، ومن جهة أن المالية شرط ينافيانه‏)‏ فإذا قاس ‏(‏ش‏)‏، وابن حنبل على البيع بطل قياسه بالفرق، أو رام الاستدلال بالنص فلم يرد إلا في البيع فلا يتناول صورة النزاع، ولو تناولها حتى خصصناها بالفرق‏.‏

المذكور، ولهذا التقدير جوزنا منهما في الخلع ما لا يجوز في النكاح‏.‏

فائدة‏:‏ الغرر هو القابل للحصول وعدمه قبولا متقاربا، وإن كان معلوما، كالآبق إذا كانا يعرفانه، والمجهول‏:‏ هو الذي لا تعلم صفته، وإن كان مقطوعا بحصوله، كالمعاقدة على ما في الكم، وقد يجتمعان كالآبق المجهول فلا يعتقد أن المجهول والغرر متساويان بل كل واحد منهما أعم وأخص من وجه‏.‏

تنبيه‏:‏ الغرر، سبعة أقسام، في الموجود كالآبق، والحصول، كالطائر في الهواء، والجنس، كسلعة لم يسمها، والنوع، كعبد لم يعين نوعه، والمقدار، ما تصل إليه رمية الحجر، والتعيين، كثوب من ثوبين مختلفين، والبقاء، كالثمرة قبل بدو صلاحها‏.‏

الفصل الثاني‏:‏ في ضمانه

وفي الكتاب‏:‏ إذا زوج ابنته وضمن الصداق لزمه، ولا يرجع به الأب على الزوج، وإن مات أخذته من رأس المال، وإن لم يترك شيئا فلا شيء على الزوج وفاء بالشرط، فإن لم يدخل بها منعت نفسها حتى يدفع الصداق؛ لأن بضعها بيدها، وكذلك لو ضمنه أجنبي عن الزوج، وكذلك كل من وعد بشيء، وأدخل الموعود له في أمر بسبب وعده‏.‏

قال ابن يونس‏:‏ قال مالك‏:‏ إذا طلق الابن قبل البناء، وقد ضمن عنه الأب رجع النصف للأب، ولا يأخذه الابن؛ لأنه إنما التزم ما يلزمه؛ لأنه وهبه، قال ابن حبيب‏:‏ وإن ظهر فساد النكاح رجعت جملته للأب، ولو تفادى الزوجان قبل البناء على المتاركة، والعقد صحيح‏:‏ رجع الأب بما ودى وسقط عنه إن لم يؤد، قاله ابن القاسم، وقال عبد الملك‏:‏ يرجع الزوج بنصف ما وجب له بالطلاق كما لو بارأها بعد البناء على رد الجميع، وقال عبد الرحمن بن عوف‏:‏ العطايا في عقد النكاح لا تفتقر إلى القبض، ولا تبطل بموت المعطي؛ لأنها معاوضة، وإن طلق الزوج بعد البناء أو مات لا ترجع إلى المعطي، وقيل‏:‏ ترجع العطايا للأب إذا فسخ النكاح قبل البناء كتحمل الصداق، وصورة العطايا‏:‏ قوله‏:‏ تزوج ابنتي وأنا أعطيها كذا ‏(‏أو أبني، وأنا أعطيه كذا‏)‏، وفي الجواهر‏:‏ الصداق مضمون على الزوج إن كان فيه حق توفيته، وإلا فلا كالبيع، وحكمه في التلف، والتعييب، وفوات المنافع، وتوفيتها بالشفعة حكم البيع‏.‏

فرع‏:‏

في الكتاب‏:‏ إذا زوج اليتيمة البكر وليها بأمرها، وقبض صداقها لم يجز قبضه عليها إلا أن يكون وصيا، فإن الولي لم يجعل له الشرع أمر المال، وإذا قبضه الأب للثيب بغير إذنها ضمنه؛ لأنه متعد في القبض بغير وكالة كما لو قبض ديونها فلها الرجوع على الغريم، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن حبيب‏:‏ إذا قبضه الأب باقتضاء من الزوج ضمن، وإن كان الزوج أرسل الأب به لم يضمن؛ لأنه وكيل للزوج، وأما قبضه للبكر بالبينة وتضيعه الابنة فلا شيء عليه، ولا على الزوج، أو بغير بينة فعلى الزوج دفع الصداق ثانية سدا للذريعة في النكاح بغير صداق، ولا شيء للزوج على الأب لتفريطه، قاله أشهب، وقال ابن القاسم‏:‏ إذا أقر الأب بقبضه وضاع ولا بينة على الزوج صدق الأب، ولا شيء على الزوج؛ لأن الأب له قبضه بغير وكالة، قال صاحب البيان‏:‏ إن قال الأب جهزتها به وأنكرت، حلف وبرئ إلا أن تكون قريبة الدخول، وتكذبه قرينة العرف، ولو ادعى تجهيزها بإرث أمها أو غير ذلك وأنكرت لما كان القول قوله؛ لأن في التجهيز بالمهر عادة بخلاف غيره، والأصل بقاؤه في ذمته، ولو ادعى أن بعض ما جهزها به عارية صدق بشرطين‏:‏ حدثان البناء، وبقاء ما يجهز به مثلها مع يمينه، وهذا في الأب خاصة في البكر، وهوفي الثيب كالأجنبي إلا أن تكون في ولايته، والوصي كالأب، وروي عن ابن القاسم‏:‏ لا يقبل قول الأب إلا ببينة، والأول المشهور‏.‏

فرع‏:‏

قال أشهب‏:‏ إذا أقر في مرضه بقبض صداق ابنته أخذ من ماله إن كان الزوج موسرا، وإلا فلا؛ لأنه يتهم بالوصية لها‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ إذا قبض السيد الصداق ثم فلس فباعها السلطان عليه فاشتراها الزوج قبل البناء رجع على السيد بنصف الصداق؛ لأنه اشتراها عالما بتحريمها بالشراء فهو كالمطلق قبل البناء، ولو اشتراها من السلطان غير عالم بأنها امرأته رجع بجميعه على السيد، بخلاف إذا باعها السيد منه لا شيء له إذا كان عالما؛ لأن السيد لما كان أملك بالبيع غلب أمره على أمر الزوج، فكأن الفسخ جاء من قبله، ولو باعها لمن اشتراها للزوج وهو لا يعلم فهو كبيع السلطان، له نصف الصداق، وقال عيسى‏:‏ بيع السلطان كبيع السيد يرجع بجميع الصداق، قال‏:‏ وهو بعيد‏.‏

فرع‏:‏

قال صاحب النكت‏:‏ إذا قبضته في النكاح الفاسد في عقده، وفسخ قبل البناء وبعد تلفه لم تضمنه كالنكاح الصحيح بخلاف الفاسد في الصداق فإنها تضمن؛ لأنه لو دخل بها كان لها صداق المثل، والفاسد في عقده لها عين ذلك الصداق فأشبه الصحيح، قال صاحب البيان‏:‏ المرأة ضامنة المعين وما يغلب عليه من العروض، إلا أن تقوم البينة على تلفه كالعارية، وعلى القول بأن الغلات تختص بها تضمن وإن قامت البينة، وما يغاب عليه وما لا يغاب عليه، وروي عن مالك‏.‏

الفصل الثالث‏:‏ في هبته

وفي الكتاب‏:‏ إذا وهبته للزوج بعد القبض أو قبله، وهي نافذة التصرف، فلا رجوع لها، أو بعضه فلها نصف ما بقي، أو لأجنبي قبل القبض نفذت الهبة إن حملها ثلثها، وإن زاد على الثلث بطل الجميع؛ لأن المرأة محجور عليها بسبب الزوج في مالها، إلا في الثلث فيكون هذا التصرف باطلا إلا أن يجيزه الزوج، وإن لم يقبضه الموهوب له حتى طلقت موسرة قبل البناء أخذه من الزوج لذهاب الحجر، ورجع الزوج عليها بنصفه أو معسرة حبس الزوج نصفه ودفع نصفه، ولو قبضه كله قبل الطلاق لم يرجع الزوج بشيء كانت موسرة يوم الهبة أو معسرة أو الآن، ويتبعها الزوج بنصفه كما لو هلك بسببها عندها، وقال غيره‏:‏ إن كانت موسرة يوم الهبة ولم تقبضه حتى طلقت لم ينظر لعسرها يوم الطلاق، ويدفعه الزوج للموهوب، ويتبعها بنصفه نظرا إلى حالة التصرف، وقال ابن يونس‏:‏ في كتاب محمد إذا وهبته لزوجها قبل البناء لا يدخل بها حتى يعطيها ربع دينار لئلا يعرى البضع من الصداق، أو بعد البناء فلا شيء لأحدهما على الآخر، قال صاحب النكت‏:‏ إذا لم يقبضه حتى طلق الزوج وروعي عسرها ويسرها يوم الطلاق، ولا ينظر إلى ثلثها إن كانت حاملا، وإنما يراعى عسرها بذلك القدر فقط لزوالها عن عصمة الزوج، وعلى قول الغير في اعتبار يسرها يوم الهبة ينظر إلى الثلث؛ لأنه وقت للتزويج، وفي الجواهر‏:‏ إذا وهبته جملته ثم طلقها قبل البناء لم يرجع عليها بشيء، كأنها عجلت إليه ما تستحقه بالطلاق، وإذا وهبته لأجنبي وقبضه ورجع الزوج عليها فهل يرجع على الموهوب كواهب المستحق أم لا‏؟‏ لأنها وهبت وهي عالمة بتوقع الارتجاع، وكما أنها لا تنقض البيع فكذلك هاهنا، وإن لم يقبضه الموهوب له حتى طلقت أجبرت على الإقباض إن كانت موسرة يوم الطلاق؛ لأنها قادرة على تعويض الزوج، ولا تجبر إن كانت معسرة يوم الهبة والطلاق، فإن كانت موسرة يوم الهبة معسرة يوم الطلاق، قال ابن القاسم‏:‏ تجبر، وقال غيره‏:‏ لا تجبر، وهو على الخلاف في استقرار ملكها، ولو خالفته قبل البناء بنصفه كان لها نصف ما بقي أو جملته فلا شيء لها، وكذلك عين غيره؛ لأن المخالعة بغيره دليل على إسقاطه، وترده إن كانت قبضته، وقال أصبغ‏:‏ إن قبضته فلا؛ لأنه من جملة أموالها إلا أن يشترط رده، أو بما أقل من الصداق رجعت بنصف الصداق‏.‏

فرع‏:‏

قال اللخمي‏:‏ إن تزوجته على أن يهب عبده لفلان فطلق قبل البناء رجع على الموهوب له بنصفه إن كان قائما، وإن هلك فنصف قيمته عند أشهب، ولا شيء عليه عند محمد؛ لأنه لو هلك بيد المرأة سقط، وإن حدث به عيب أخذ نصفه معيبا، وإن باعه الموهوب بنصف الثمن أو أعتقه أو وهبه عالما بأنه صداق فنصف قيمته يوم التصرف، وإلا فلا شيء عليه، ولا يرد العتق؛ لأنه مكن من ذلك، واستحسن رد الهبة، وإن كان طعاما أكله أو ثوبا لبسه للتهمة في العادة‏.‏

فرع‏:‏

قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ من تزوج بكرا بمائة فأعطتها من عندها فعلم الأب ثبت النكاح لوجود التسمية، ويردها، ومن أعطته امرأة مالا على أن يتزوجها إن كانت ثيبا وزادها ربع دينار على عطيتها جاز أو بكرا ولم يبن بها، فإن أتم الصداق وإلا فسخ، أو بنى فصداق المثل، ثم رجع فقال‏:‏ لا يفسخ بنى أم لا، ويعطي البكر من ماله مثل عطيتها، ويزيد الثيب ربع دينار، وأما رد المهر إلى الزوج، فقال أبو عمران‏:‏ هو نكاح وسلف لا يجوز إن وقعت العيبة على النقد، وإن لم يعب واشترط ذلك كان العقد صحيحا، وإذا فسد ثبت بعد البناء وفسخ قبله؛ لأن فساده في صداقه، ولها صداق المثل‏.‏

الفصل الرابع‏:‏ في التغيرات الواردة عليه

في الجواهر‏:‏ إذا تغير قبل الطلاق بزيادة أو نقص أو بزيادة من وجه ونقصان من وجه فالزيادة عليهما، والنقصان عليهما؛ لأنهما شريكان، وقيل‏:‏ للمرأة وعليها؛ لأن الأصل عدم الطلاق المشطر، وهو على الخلاف في استقرار ملكها على الكل، وعدم استقراره، وفي الكتاب‏:‏ كل ما هو معين فقبضته أم لا فحال سوقه أو نقص بدنه أو نمى أو توالد، ثم طلق قبل البناء فله نصف ما وجد عند الطلاق، ولو هلك بيدها لم يرجع بشيء، أو بيده بنى من غير شيء، وما يغاب عليه إذا هلك ضمنه إلا أن يعلم ذلك فيكون منها، ومن أهلك شيئا ضمنه لصاحبه، ومن أنفق شيئا حوسب به، وإن جنى على العبد فالجناية بينهما، ولو جنى بيدها خيرت في افتدائه، فإن فدته لا يأخذ الزوج نصفه إلا بدفع نصف الفدية، أو أسلمته فلا شيء للزوج إلا أن يحابي فتبطل محاباتها في نصف الزوج، ولو جنى بيده فليس له دفعه بل للمرأة، فإن ملكها هو الأصل بعد العقد، فإن طلقها قبل تسليمه كان مثلها في نصفه، فقال ابن يونس‏:‏ وإذا ادعت تلفه صدقت فيما يصدق فيه المستعير مع يمينها، قاله ابن القاسم، وقال أصبغ‏:‏ تضمن العين، وإن قامت بينة بهلاكها بغير تفريط؛ لأنها لا تتعين، وإذا ادعت التلف فليس له مطالبتها بالشوار من مالها؛ لأن ذلك إنما يلزم في الصداق بالعادة، وقال عبد الملك‏:‏ يلزمها ذلك إلا أن تقوم البينة، وفي الكتاب‏:‏ إذا استحق بعضه وفي إلزام باقيه ضرر كالرقيق يمنع الشركة من الوطء والسفر فلها رده وأخذ قيمته، أو تحبس البقية وتأخذ قيمة المستحق، فإن كان تافها وما لا يضر رجعت بقيمته فقط إلا في الرقيق فلها الرد وإن قل، فإن استحق البعض فكالبيوع في التفرقة بين الجزء الشائع وبين المعين، قال ابن يونس‏:‏ قال ابن القاسم‏:‏ إذا استحقت جملته فالنكاح ثابت، وأتبعته بمثله إن كان مثليا، أو بقيمته إن كان متقوما، وإن كان لم يدخل تلوم السلطان له، فإن جاء به وإلا فرق بينهما، قال أصبغ‏:‏ إن دخل منع حتى يدفع ولو ربع دينار، أو بقي دون الاستحقاق ربع دينار، وقال محمد‏:‏ إن كان استعارة أو سرقة حيل بينهما وإن دخل حتى يدفع جملة المهر، وإن تقدمت له فيه شبهة ملك اتبعته به، ولا يفرق بينهما؛ لأنه لم يدخل على عدم الصداق، ولو تزوج بعبد ولده الصغير فهو للمرأة إن كان الأب معدما اتبع به في ذمته، قاله مالك كشرائه لنفسه، وكعتقه عن نفسه‏.‏

فرع‏:‏

في الجلاب‏:‏ إذا تزوجها بعبد معين فكان حرا فعليه قيمته عند ابن القاسم؛ لأنه من ذوات القيم وصداق مثلها عند عبد الملك لخلو العقد عن الصداق؛ لأن الحر ليس بمال، وقال ابن القاسم‏:‏ في العتبية‏:‏ زادت القيمة عن صداق المثل أو أقل، ولا يفسخ النكاح تعمد أم لا، وقال عبد الملك‏:‏ يفسخ النكاح قبل البناء، ويثبت بعده، وإن لم يعلما جميعا لم يفسخ، قال اللخمي‏:‏ ولو قيل‏:‏ لها الأقل من قيمته أو صداق المثل لكان وجها لرضاها بالعبد، إلا أن يعلم أنها لو تزوجت بدنانير أو دراهم لم ترض إلا بما يكون قيمة العبد‏.‏

فرع‏:‏

قال‏:‏ فإن تزوجها على من يعتق عليها عتق بالعقد، فإن طلق رجع بقيمته كانت موسرة أو معسرة؛ لأنه دخل على ذلك، ولا يتبع العبد بشيء؛ لأن الشرع أعتقه، ولا يرد عتقه كمعسر أعتق بعلم غريمه، والزوج كان عالما، وقد استحسن بعضه أيضا مالك أن لا يرجع عليها بشيء؛ لأنها لم تنتفع بمال، قال‏:‏ والأول أحسن؛ لأنها أحسنت بصداقها لقرابتها، قال ابن يونس‏:‏ إن لم يعلم الزوج أنه يعتق عليها إلا عند الطلاق أخذ نصفه، وعتق نصفه إن كانت معسرة إلا أن يرضى باتباعها فيعتق كله، ولو كان عالما، وهي غير عالمة عتق عليه، وغرم قيمته كالمقارض يشتري من يعتق على رب المال عالما، وقال أيضا يعتق عليها علمت أم لا لوجود سبب عتقه، وهو ملكها بكرا كانت أو ثيبا، ويرجع عليها قبل البناء بنصف قيمته يوم أصدقها، فإن لم يجد لها غيره، وكان علم فليس له رد العتق؛ لأنه دخل عليه واتبعها، وإلا فله أخذ نصفه واتباعها، وقيل في مسألة الكتاب‏:‏ إنما يصح ذلك في الثيب أما في البكر فلا يجوز للولي ذلك؛ لأنه ضرر، قال عبد الملك‏:‏ فإن تزوجها على أن يعتق لها أباها فالنكاح مفسوخ لعدم الصداق أو على أن يعتقه عنها فالولاء لها، ولا شيء عليها؛ لأنها لم تملكه، وإن كان على أن يعتقه عن نفسه فالولاء له، ويفسخ في الوجهين قبل البناء لعدم الصداق المعتبر، ويثبت بعده، ولها صداق المثل، قال صاحب البيان‏:‏ إذا تزوجها على عتق أبيها على نفسه ‏(‏ثلاثة أقوال‏:‏ جوازه إن قال عن نفسه‏)‏ أو عنها، لمالك، ولا يجوز لا عن نفسه ولا عنها، لعبد الملك، وقال ابن القاسم‏:‏ عن نفسه لا يجوز النكاح وعنها يجوز، فإن لم يكن في ملكه فالمعروف لمالك عدم الجواز للغرر، وروي الجواز، وجواز النكاح إن لم يملكه ولا لها ولاؤه حيث لا يكون لها الولاء؛ لأنه مال من ماله بعد الشراء، ولو قالت‏:‏ أعطيتك مالا، وتعتقه جاز‏.‏